الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)
أما قوله: {يلتقيان} فعلى التأولين الأولين معناه: هما معدان للالتقاء، وحقهما أن يلتقيا لولا البرزخ، وعلى القول الثالث روي أنهما يلتقيان كل سنة مرة، فمن ذهب إلى أنه بحر يجتمع في السماء فهو قول ضعيف وإنما يتوجه الالتقاء فيه. وفي القول الرابع بنزول المطر، وفي القول الخامس بالأنهار في البحر وبالعيون قرب البحر. والبرزخ: الحاجز في كل شيء، فهو في بعض هذه الأقوال أجرام الأرض، قاله قتادة. وفي بعضها القدرة والبرزخ أيضاً: المدة التي بين الدنيا والآخرة للموتى، فهي حاجز، وقد قال بعض الناس: إن ماء الأنهار لا يختلط بالماء الملح، بل هو بذاته باق فيه، وهذا يحتاج إلى دليل أو حديث صحيح، وإلا فالعيان لا يقتضيه. وذكر الثعلبي في: {مرج البحرين} ألغازاً وأقوالاً باطنة لا يجب أن يلتفت إلى شيء منها.واختلف الناس في قوله: {لا يبغيان} فقال ابن عباس ومجاهد وقتادة معناه: لا يبغي واحد منهما على الآخر. وقال قتادة أيضاً والحسن: {لا يبغيان} على الناس والعمران. وهذان القولان على أن اللفظة من البغي. وقال بعض المتأولين هي من قولك: بغى إذا طلب، فمعناه: {لا يبغيان} حالاً غير حالهما التي خلقا وسخرا لها. وقال ابن عباس وقتادة والضحاك: {اللؤلؤ}: كبار الجوهر {والمرجان}: صغاره. وقال ابن عباس أيضاً ومرة الهمداني عكس هذا، والوصف بالصغر وهو الصواب في {اللؤلؤ}. وقال ابن مسعود وغيره {المرجان}: حجر أحمر، وهذا هو الصواب في {المرجان}. و{اللؤلؤ}: بناء غريب لا يحفظ منه في كلام العرب أكثر من خمسة: اللؤلؤ والجؤجؤ والدؤدؤ واليؤيؤ وهو طائر، والبؤبؤ وهو الأصل.واختلف الناس في قوله: {منهما} فقال أبو الحسن الأخفش في كتابه الحجة، وزعم قوم أنه قد ينفرج {اللؤلؤ والمرجان} من الملح ومن العذب.قال القاضي أبو محمد: ورد الناس على هذا القول، لأن الحس يخالفه ولا يخرج ذلك إلا من الملح وقد رد الناس على الشاعر في قوله: [الطويل] وقال جمهور من المتأولين: إنما يخرج ذلك من الأجاج في المواضع التي تقع فيها الأنهار والمياه العذبة، فلذلك قال: {منهما} وهذا مشهور عند الغواصين. وقال ابن عباس وعكرمة: إنما تتكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر، لأن الصدف وغيرها تفتح أجوافها للمطر، فلذلك قال: {منهما} وقال أبو عبيدة ما معناه: إن خروج هذه الأشياء إنما هي من الملح، لكنه قال: {منهما} تجوزاً كما قال الشاعر [عبد الله بن الزبعرى]: [مجزوء الكامل مرفّل] وكما قال الآخر: فمن حيث هما نوع واحد، فخروج هذه الأشياء إنما هي منهما وإن كانت تختص عند التفصيل المبالغ بأحدهما، وهذا كما قال تعالى: {سبع سماوات طباقاً وجعل القمر فيهن} [نوح: 15-16]، وإنما هو في إحداهن وهي الدنيا إلى الأرض. قال الرماني: العذب فيهما كاللقاح للملح فهو كما يقال: الولد يخرج من الذكر والأنثى.وقرأ نافع وأبو عمرو وأهل المدينة: {يُخرَج} بضم الياء وفتح الراء. اللؤلؤُ رفعاً. وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: {يَخرُج} بضم الياء وفتح الراء على بناء الفعل للفاعل، وهي قراءة الحسن وأبي جعفر. وقرأ أبو عمرو في رواية حسين الجعفي عنه: {يُخرِج} بضم الياء وكسر الراء على إسناده إلى الله تعالى، أي بتمكينه وقدرته، اللؤلؤَ نصباً، ورواها أيضاً عنه بالنون مضمومة وكسر الراء.و: {الجواري} جمع جارية، وهي السفن. وقرأ الحسن والنخعي بإثبات الياء. وقرأ الجمهور وأبو جعفر وشيبة بحذفها.وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي: {المنشآت} بفتح الشين أي أنشأها الله والناس. وقرأ حمزة وأبو بكر بخلاف: {المنشِئات} بكسر الشين، أي تنشئ هي السير إقبالاً وإدباراً، والأعلام الجبال وما جرى مجراها من الظراب والآكام. وقال مجاهد: ما له شراع فهو من {المنشآت}، وما لم يرفع له شراع فليس من {المنشآت}وقوله: {كالأعلام} هو الذي يقتضي هذا الفرق، وأما لفظة {المنشئات} فيعم الكبير والصغير، والضمير في قوله: {كل من عليها} للأرض، وكنى عنها، ولم يتقدم لها ذكر لوضوح المعنى كما قال تعالى: {حتى توارت بالحجاب} [ص: 32] إلى غير ذلك من الشواهد، والإشارة بالفناء إلى جميع الموجودات على الأرض من حيوان وغيره، فغلب عبارة من يعقل، فلذلك قال: {من}. والوجه عبارة عن الذات. لأن الجارحة منفية في حق الله تعالى: وهذا كما تقول: هذا وجه القول والأمر، أي حقيقته وذاته.وقرأ جمهور الناس: {ذو الجلال} على صفة لفظة الوجه. وقرأ عبد الله بن مسعود وأبيّ: {ذي الجلال} على صفات الرب.
وقال جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه: سمي الإنس والجن ثقلين، لأنهما ثقلا بالذنوب وهذا بارع ينظر إلى خلقهما من طين ونار.وقرأ ابن عامر: {أيُّهُ الثقلان} بضم الهاء.واختلف الناس في معنى قوله: {إن استطعتم أن تنفذوا} الآية، فقال الطبري، قال قوم: في الكلام محذوف وتقديره: يقال لكم {يا معشر الجن والإنس}، قالوا وهذه حكاية عن حال يوم القيامة في {يوم التنادّ} [غافر: 32] على قراءة من شدد الدال. قال الضحاك: وذلك أنه يفر الناس في أقطار الأرض، والجن كذلك، لما يرون من هول يوم القيامة، فيجدون سبعة صفوف من الملائكة قد أحاطت بالأرض، فيرجعون من حيث جاؤوا، فحينئذ يقال لهم: {يا معشر الجن والإنس}. وقال بعض المفسرين: بل هي مخاطبة في الدنيا. والمعنى: {إن استطعتم} الفرار من الموت ب {أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض}. وقال ابن عباس المعنى: إن استطعتم بأذهانكم وفكركم أن تنفذوا فتعلموا علم أقطار السماوات والأرض. والأقطار: الجهات.وقوله: {فانفذوا} صيغة الأمر ومعناه التعجيز، والسلطان هنا القوة على غرض الإنسان، ولا يستعمل إلا في الأعظم من الأمر والحجج أبداً من القوي في الأمور، ولذلك يعبر كثير من المفسرين عن السلطان بأنه الحجة. وقال قتادة: السلطان هنا الملك، وليس لهم ملك، والشواظ: لهب النار. قاله ابن عباس وغيره. وقال أبو عمرو بن العلاء: لا يكون الشواظ إلا من النار وشيء معها، وكذلك النار كلها لا تحس إلا وشيء معها. وقال مجاهد: الشواظ، هو اللهب الأخضر المتقطع، ويؤيد هذا القول. قول حسان بن ثابت يهجو أمية بن أبي الصلت: وقال الضحاك: هو الدخان الذي يخرج من اللهب وليس بدخان الحطب.وقرأ الجمهور: {شُواظ} بضم الشين. وقرأ ابن كثير وحده وشبل وعيسى: {شِواظ} بكسر الشين وهما لغتان.وقال ابن عباس وابن جبير: النحاس الدخان، ومنه قول الأعشى: [المتقارب] السليط دهن السراج. في النسخ التي بأيدينا دهن الشيرج.وقرأ جمهور القراء: {ونحاسٌ} بالرفع عطفاً على {شواظ}، فمن قال إن النحاس: هو المعروف، وهو قول مجاهد وابن عباس أيضاً قال يرسل عليهما نحاس: أي يذاب ويرسل عليهما. ومن قال هو الدخان، قال ويعذبون بدخان يرسل عليهما. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والنخعي وابن أبي إسحاق: {ونحاسٍ} بالخفض عطفاً على {نار}، وهذا مستقيم على ما حكيناه عن أبي عمرو بن العلاء. ومن رأى الشواظ يختص بالنار قدر هنا: وشيء من نحاس. وحكى أبو حاتم عن مجاهد أنه قرأ: {ونِحاسٍ} بكسر النون والجر. وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة أنه قرأ: {ونَحُسّ} بفتح النون وضم الحاء والسين المشددة، كأنه يقول: ونقتل بالعذاب. وعن أبي جندب أنه قرأ: {ونحس}، كما تقول: يوم نحس، وحكى أبو عمرو مثل قراءة مجاهد عن طلحة بن مصرف، وذلك لغة في نحاس، وقيل هو جمع نحس.ومعنى الآية: مستمر في تعجيز الجن والإنس، أي أنتما بحال من يرسل عليه هذا فلا ينتصر.
|